يوشك أن يقرع أبوابنا ضيف كريم، ضيفٌ جاء ليكرِّمنا على عكس الحال المعتاد، فإن الضيف ينتظر أن يكرمه أهل الدار، إلا أنّ هذا الضيف لا ينتظر منّا كرمًا؛ ولكن يجعله الله سببًا في الإكرام والغفران والعِتْق من النيران.
هذا الضيف هو شهر رمضان الفضيل، شهر رمضان المبارك، فهلموا عباد الله لاغتنام هذا الموسم الرابح؛ للتعرض لتلك النفحات الإلهية الطيبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَات، فَتَعَرَّضُوا لَهَا لَعَلَّ أَحَدكُمْ أَنْ يُصِيبه مِنها نَفْحَة لا يَشْقَى بَعْدَهَا" (رواه الطبراني في الأوسط).
فرمضان هو الشهر الذي يهيِّئ الله فيه جو العبادة، فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ" (رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم في المستدرك).
* بالدعاء.. تدعو الله أن يبلغك هذا الشهر الكريم وأنت في صحة وعافية, حتى تنشط في عبادة الله تعالى, من صيام وقيام وذكر، وقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر حتى يتقبل منهم.
وقال يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير: "كان من دعائهم: اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلاً"... ندعو الله أن يعيننا على أن نحسن استقبال الشهر، وأن نحسن العمل فيه، وأن يتقبل الله منا الأعمال في ذلك الشهر الكريم.
* بسلامة الصدر مع المسلمين.. وألا تكون بينك وبين أي مسلم شحناء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن" (صحيح الترغيب والترهيب 1016).
* بالصيام.. كما هي السنة لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: "قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم" (صحيح الترغيب والترهيب 101).
ولعل اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصيام في شهر شعبان يُيَسِّر على المسلم مهمة الصيام في شهر رمضان، ولا يشعر بعناء في تلك العبادة العظيمة، وذلك لأن شعبان شهر يتناسب في المناخ وطول النهار وقصره مع شهر رمضان؛ لأنه الشهر الذي يسبقه مباشرة، فالتعود على الصوم فيه يُيَسِّر على المسلم ذلك.
* بالاهتمام بالواجبات مثل صلاة الجماعة في الفجر وغيرها؛ حتى لا يفوتك أدنى أجر في رمضان، ولا تكتسب ما استطعت من الأوزار التي تعيق مسيرة الأجر.
* تلاوة القرآن الكريم ومدارسته، ومحاولة ختم المصحف في شهر شعبان؛ وذلك لتيسير قراءته وختمه في شهر رمضان، فقراءة القرآن عبادة نيرة، تعِين المسلم على باقي العبادات في شهر رمضان وغيره، فلا ينبغي للمسلم أن يتركها ولا يقصرها على رمضان، إلا أنه يزيد منها فيه لاستغلال هذه الدفعة الإيمانية والنفحة الربانية.
* صلاة القيام أيضًا من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يُعَوِّد نفسه عليها حتى يعتاد على تراويح رمضان بغير عناء وشقاء، وقيام الليل ليست عبادة خاصة بشهر رمضان وحده، إلا أنها تشرع في رمضان في جماعة ويُعان فيها المسلم على الخير، وتكون لها كيفية خاصة.
* ولا ننسى أن نذكِّر بأهم ما يُعين على ذلك كله ألا وهو ذكر الله عزَّ وجلَّ، وقد ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن القرآن قوله تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة: من الآية 152)، وقوله سبحانه:
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 35)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة عامة: "لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (رواه أحمد
* العلم والفقه بأحكام رمضان, فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم, ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد، ومن ذلك صوم رمضان؛ فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه؛ ليكون صومه صحيحًا مقبولاً عند الله تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (الأنبياء: من الآية 7).
* دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في رمضان بكافة الوسائل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها"، وفي رواية: "خير لك من حمر النعم" (رواه البخاري ومسلم)، والنفوس لها من القابلية للتقبل في رمضان ما ليس لها في غيره، ومن الوسائل الكلمة الطيبة في المساجد أو المخصصة لفرد أو أكثر، والهدية من كتيب أو شريط نافع وإقامة حلق الذكر وقراءة القرآن في المساجد والبيوت، وجمع فتاوى الصيام ونشرها، والتشجيع على فعل الخير عمومًا وغير ذلك.
* الاستعداد السلوكي بالأخلاق الحميدة جميعها، والبعد عن الأخلاق الذميمة جميعها، والعزم الصادق على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها, فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب، قال الله تعالى: ﴿وَتوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: من الآية 31).
* عقد العزم على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة, فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسَّر له سبل الخير, قال الله عز وجل: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (محمد: من الآية 21).
* الاستعداد لاستغلال الأوقات في رمضان بعمل جدول لرمضان للقراءة والزيارات في الله وصلة الأرحام.. وغير ذلك.
ومرة أخرى نؤكد أهمية الإعداد والاستعداد لهذا الشهر الفضيل، وأن ترك هذا الإعداد يُعد من النفاق العملي، فمن أراد أن يغتنم هذا الشهر الفضيل أحسن الاستعداد له، ولقد ذَمَّ الله أقوامًا زعموا أنهم أرادوا أمرًا ولكنهم ما أعدوا له، فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ﴾ (التوبة: من الآية
نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، ورزقنا الله حسن الاستعداد لاستقبال رمضان، وكل عام وأنتم بخير.
هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر، واستقبال المريض للطبيب المداوي، واستقبال الحبيب للغائب المنتظر.. فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إنك أنت السميع العليم.